قريش وخدمة البيت
كان القرشيون يولون البيت العتيق اهتماما كبيرا ،
وقد استطاع رجل منهم وهو قصي بن كلاب أن يحتكر أمر مكة والعناية بها ، لا
بل تملك على قومه فملكوه ، فكانت إليه الحجابة {1} والسقاية {2} والرفادة
{3} والندوة {4} واللواء {5} ، فحاز شرف مكة التي قطعها أرباعا بين قومه
فأنزل كل قوم من قريش ، منازلهم من مكة ولكن قصي بن كلاب هلك ومات ، فاختلف
القرشيون فيما بينهم حول أمور خدمة البيت ، لمن تكون الرفادة والسقاية ؟
ولمن تكون الحجابة والندوة واللواء ؟ وطمع بعضهم في أن تكون أمور الكعبة
والبيت كلها في حوزته واشتد الخلاف بين القرشيين وكادت تقع حرب طاحنة فيما
بينهم ، لولا أن تداعى القوم إلى الصلح ، فاتفقوا على أن يعطوا بني عبد
مناف: السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار
، وكانوا بني عبد مناف قد دخلوا في حلف يسمى: حلف المطيبين ، وذلك أنهم
غمسوا أيديهم جميعا ، في إناء مملوء بالطيب ، ثم تعاقدوا وتحالفوا ، أما
بنو عبد الدار فقد دخلوا في حلف الأحلاف ، وذلك لأنهم عقدوا مع حلفائهم عند
الكعبة ، حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا لكن أهم حلف عقده القرشيون قبل
الإسلام ، كان حلف الفضول ، إذ تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، يعقدونه في
دار عبد الله بن جدعان ، فاجتمعوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما ،
إلا نصروه وقاموا معه ، وفي هذا الحلف يقول رسول الله ، صلى الله عليه وآله
وسلم
لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حافا ما أحب أن لي به حمر النعم {6} ولو أدعى به في الإسلام لأجبت
ثم
إن الرفادة والسقاية ، انتقلت إلى زعيم من زعماء قريش وهو: هاشم بن عبد
مناف ، الذي يعتبر أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف ، وأول
من أطعم الثريد بمكة ، وعندما مات هاشم بن عبد مناف ، تولى السقاية
والرفادة ، المطلب بن عبد مناف ، الذي كان ذا شرف في قومه وفضل ، وكان هاشم
بن عبد مناف ، قد ولد له ولدا سماه: شبية ، وهو الذي أطلق عليه فيما بعد
اسم: عبد المطلب والذي عاش في كنف ورعاية عمه المطلب
عبد المطلب وبئر زمزم
أمر
عبد المطلب وهو نائم أن يحفر بئر زمزم ، وذلك أن الجراهمة عندما خرجوا من
مكة ، دفنوها ، وفي ذلك قال على بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، يحدث حديث
زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر {7} إذ
أتاني آت فقال: احفر طيبة {8} قلت: وما الطيبة ؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان
الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال: احفر برة {9} قلت: وما برة ؟
قال: ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال:
احفر المضنونة {10} قلت: وما المضنونة ؟ قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت
إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال: احفر زمزم ثم مضى عبد المطلب مع ابنه
الحارث ، إلى المكان الذي عين له حاملا معوله ، فحفر فيها ، فلما بدا لعبد
المطلب الطي {11} ، كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه
فقالوا: يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا ،
فأشركنا معك فيها فقال: ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ،
وبقي أمر السقاية بيد عبد المطلب ، جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الردود